responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 144
الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ
يُظَنُّ أَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ أَنْ يُعْقِبَهُ الْحَشْرُ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّفَنُّنِ، وَمِنْ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ وَجَعْلِ الْقَتْلِ مَبْدَأَ الْكَلَام وَعوده.
[159]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 159]
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ الَّذِي حُكِيَ فِيهِ مُخَالَفَةُ طَوَائِفٍ لِأَمْرِ الرَّسُولِ مِنْ مُؤْمِنِينَ وَمُنَافِقِينَ، وَمَا حُكِيَ مِنْ عَفْوِ اللَّهِ عَنْهُمْ فِيمَا صَنَعُوا. وَلِأَنَّ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الْمَحْكِيَّةِ بِالْآيَاتِ السَّابِقَةِ مَظَاهِرَ كَثِيرَةً مِنْ لين النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ، حَيْثُ اسْتَشَارَهُمْ فِي الْخُرُوجِ، وَحَيْثُ لَمْ يُثَرِّبْهُمْ عَلَى مَا صَنَعُوا مِنْ مُغَادَرَةِ مَرَاكِزِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ عَفْوُ اللَّهِ عَنْهُمْ يُعْرَفُ فِي مُعَامَلَةِ الرَّسُولِ إِيَّاهُمْ، أَلَانَ اللَّهُ لَهُمُ الرَّسُولَ تَحْقِيقًا لِرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ، فَكَانَ الْمَعْنَى: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ بِرَحْمَتِهِ فَلَانَ لَهُمُ الرَّسُولُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ إِيَّاهُ رَاحِمًا، قَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الْأَنْبِيَاء: 107] .
وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ لِنْتَ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ: إِذْ كَانَ لِينُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِينًا لَا تَفْرِيطَ مَعَهُ لِشَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِهِمْ، وَلَا مُجَارَاةً لَهُمْ فِي التَّسَاهُلِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَلِذَلِكَ كَانَ حَقِيقًا بِاسْمِ الرَّحْمَةِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ مُفِيدٌ لِلْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ، أَيْ: بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَهَذَا الْقَصْرُ مُفِيدٌ التَّعْرِيضَ بِأَنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مُسْتَوْجِبَةً الْغِلَظَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَانَ خُلُقَ رَسُولِهِ رَحْمَةً بِهِمْ، لِحِكْمَةٍ عَلِمَهَا اللَّهُ فِي سِيَاسَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَزِيدَتْ (مَا) بَعْدَ بَاءِ الْجَرِّ لِتَأْكِيدِ الْجُمْلَة بِمَا فِيهِ مِنَ الْقصر، فتعيّن بزيادتها كَوْنِ التَّقْدِيمِ لِلْحَصْرِ، لَا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ، وَنُبِّهَ عَلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» .

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست